تعد الأسرة الثامنة عشر، أهم أسر العصر الفرعونى، فهى أول أسر الدولة الحديثة، وصاحبة أولى أمبرطوريات التاريخ، وحكمت مصر في الفترة (1550 ق.م. - 1292 ق.م.)، لذا سنتحدث في السطور التالية عن أعظم وأشهر ملكات هذه الأسرة، رغم أنها امرأة؛ لكن كانت تتمتع بالكثير من الصفات التي تؤهلها لكي تجلس على عرش الدولة المصرية.
 |
| الملكة حتشبسوت وأعمالها |
وكان دور «حتشبسوت» دليلًا قاطعًا على تميز المرأة المصرية القديمة وقدرتها في تولي أمور الإدارة والحكم، رغم الهجوم الذي تعرضت له لوجود امرأة تجلس على كرسي العرش وتدير أمور البلاد، رغم كل ذلك تمكنت من إحكام قبضتها على الحكم الذي دام 20 عامًا (1488- 1457 ق.م)، ونعمت البلاد بالرخاء والازدهار، لكن الضغوط التي نزلت عليها من الكهمة وقادة الجيش تنازلت على الحكم فقط ؛ من أجل مصلحة البلاد.
"حتشبسوت"
غنمت آمون حتشبسوت ، والتي اشهرت بـ "حتشبسوت"، ولدت في عام 1508 قبل الميلاد، وهي الابنة الكبرى للملك "تحتمس الأول" ، والملكة "أحمس" .
وهي خامس ملوك الأسرة الثامنة عشر المصرية القديمة، وتعد واحدة من أنجح ملوك المصريين القدماء.
وكان اسمها يعني: خليلة آمون المفضلة على السيدات، أو خليلة آمون درة الأميرات.
كان الملك "أحمس الأول" صاحب الانتصار العظيم في تحرير مصر من الهكسوس ، هو الجد الأكبر لـ"حتشبسوت"، ومؤسس الأسرة الثامنة عشر الفرعونية التي تنتمي إليها.
كانت "غنمت آمون حتشبسوت" الوريثة الشرعية لعرش البلاد، حيث لم يكن يوجد وريث شرعي من الذكور، ولكن كان لها أخ غير شقيق من أبيها هو "تحتمس الثاني"، من زوجة ثانوية تدعى "موت نفرت.
 |
| الملكة حتشبسوت وأعمالها |
الملكة حتشبسوت وأعمالها
لكي تصل "حتشبسوت" إلى الحكم كان من الضروري الاتفاق مع الرجال المسئولين عن الإدارة اليومية للحكم، والحصول على مساندتهم الفعالة، وكان من بين هؤلاء المسئولين هم قادة الجيش ورؤساء كهنة الإله "آمون"، وبقية المعابد في البلاد، والرجال المسئولين عن الخدمة العامة، بمن فيهم "إنبنى" حاكم طيبة، و"أحمس- بن نخبت"، حيق قد عاصروا حكم الملك "تحتمس الأول" و"تحتمس الثاني"، وكانوا سعداء في قبولهم لمنصب "حتشبسوت" الجديد.تولي حتشبسوت الحكم
توفى "تحتمس الثني" عام 1479 ق.م، بسبب إصابة ناجمعة عن مرض، ولم يدم حكمة سوى 14 سنة، وترك ابنًا ذكرًا سيصبح يما بعد "تحتمس الثالث"، لكنه كان أصغر من أن يتولى مقاليد الحكم، ومن وصف الوصية على لسان "انينى" أحد كبار الموظفين، وكان المشرف على مخازن آمون، وشغل هذا المنصب منذ عهد "أمنحوتب الأول" وحتى عهد "تحتموس الثالث"، ووردت الوصية في وصف لسيرته الذاتية التي نقشها على لوح وضعه تحت باكية مقبرته الصخرية.
وتولى الملك الصغير حكم البلاد، وكانت "حتشبسوت" واصية عليه وأخد تدير شوؤن البلاد وتشرف عليها، وكانت الأرضان تخضعان لحكمها وتسلم لها الضرائب بعد الجباية.
تولت "حتشبسوت" الحكم واختارت رجالها بعناية شديدة خاصةً الذين سيتولون المناصب الهامة في البلاد، حيث قامت بتنصيب رئيس كهنة جديد لمعبد "آمون" وكان يدعى "حبو سنب"، وقامت بتعيين "سنن مُوت" وكيل لزوجة الإله، ووكيلًا على ابنة الملكة من "تحتمس الثاني"، ومربيًا لابنة "حتشبسوت".
وفي العام الثاني أو الثالث، تخلت الواصية على الملك هذا الأسلوب حيث توجت نفسها ملكة.
تتويج "حتشبسوت"
منذ وفاة زوجها "تحتمس الثاني"، وهي تحسب وقت حكمها، ولم تهتم برسم نقوش لتحدد متي استلم حكم البلاد، وكان من أهم الأمور التي حدث في حفل التتويج هو اختيار أسمائها الملكية، وكانت الأسماء تستخدم من قبل كل فرعون لكي تركز حقه في العرش، وتحدد علاقته بآلهة مصر.
وكان من الواضح لـ "حتشبسوت" أن تؤكد حقها في الحكم، حيث قامت باختيار أسمائها الخاصة، فبصفتها ابنة "رع"، صار اسم "حتشبسوت" هو«خنوم آمون حتشبسوت».
كان يوجد نقوش في معبد "حتشبسوت" بالدير البحري، يعلن في سياقه والدها "تحتمس الأول" وإله الشمس "رع" أسماءها الملكية الأخرى، وكان نص النقش كالتالي:
"لقد أمر جلالته الكهنة المرتلين أن يأتوا لكي ينقشوا أسماءها الملكية العظيمة لحظة تسلمها شارة السلطة كملك على مصر العليا والسفلى".
وبعد ذلك نقشوا أسماءها كملك على مصر، وبالفعل ألهم الإله عقولهم لكي يكتبوا أسماءها بالضبط كما ألفها.
أولًا، اسمها العظيم "حورس" الـ"كا" القوي، واسمها "صاحبة السيدتين المزهرة سنينًا"، واسمها العظيم "حورس الذهبي": هي صاحبة الإشراق الإلهي.
وأخيرًا اسمها بصفتها حاكمة على مصر العليا والسفلى: "ماعت كا رع" فلتحيى إلى الأبد.
كانت "حتشبسوت" تتمتع بالذكاء والمامها بالمهارات القتالية، حيث حرص والدها على تنميتها بسبب دفعها لمشاركته الحكم في آخر عهده، حيث قامت بخلع ملابس النساء وارتداء ملابس الرجال، ووضعت ذقن مستعارة، مؤكدةً على قدرتها في إدارة أمور البلاد، وقيام بمهام الفرعون.
 |
| الملكة حتشبسوت وأعمالها |
أهم أعمال حتشبسوت في السياسة الداخلية والخارجية
سياستها الداخلية
شهد عصرها الكثير منم الإنجازات، ونعمت البلاد في عهدها بالرخاء والازدهار، وكان أبرز أنجازتها كانت في الزراعة، والبناء، والتجارة، حيث قامت في السنة التاسعة من حكمها (1504ق.م) بإرسال بعثة تجارية إلى بلاد "بنت" وكانت مكونة من 5 سفن كبرى، واستمرت عامين، وتنظيف القناة التي تصل بالبحر الأحمر والنيل، لتسهيل سير السفن، وحرصت أن تحمل الرحلة الكثير من الهدايا .عاد الأسطول محمل بالكثير من المنتاجات الزراعية النادرة وغيرها، مثل أشجار الكندر والعطور، والمر، واأبانوس، والقرفة، والعاج، والكحل، والبسلم، بالإضافة إلى الذهب والفضة، والفيروز، والأصداف، والكحل، والعاج...إلخ
حيث جلبت أيضًا بعض الحيوانات النادرة الكلاب، والزراف، والقردة، والفهود، وبعض جلود الحيوانات.
وقد أمرت بزراعة بعض الأشجار العطرية التي جلبتها أمام معبدها بالدير البحري، وفق ما ذكرته الوثائق، كما أمرت أيضًا بشق الترع والقنوات .
وأهتمت الملكة بالتوسيع في المبادلات التجارية والأقتصادية الخارجية، خاصة بالجنوب، وبلاد بونت، حيث قامت باستيراد الجلود والأخشاب، والحيوانات لتربيتها، وغيرها من سلع المنطقة.
البناء والتشيد:
أمرت الملكة بإصلاح ما تم هدمة من المعابد، وأمرت بإعادة العمل في مناجم النحاس والملاكيت في جزيرة سيناء.
كما أرسلت حملة إلى أسوان لجلب الأحجار الكريمة، وكانت البداية للقيام ببناء سلسلة من العمائر الدينية من معابد ومسلات، حيث قامت ببناء مقبرتها بوادي الملكات، ومعبدها المشهر والمعروف بمعبد "الدير البحري"، حيث يبهر المعبد تلاقي خطوطه مع خطوات الجبل القائم وراءه، ويكون جزءًا لا يمكن فصله عن الجبل.
حيث ممزج المهندس المعماري العبقري "سننموت" بين تصميمه المعماري، والجمال الطبيعة الفذ، وخلق نوعًا من الألفة بين المعبد والطبيعة.
فقد أصدرت حتشبسوت أوامرها بإنشاء مسلة تعتبر أكبر مسلة في تاريخ البشرية مكونة من قطعة واحدة من الحجر تزن فوق 1000 طن لوضعها بمعبد الكرنك، إلا أن المهندسين المصريين القدماء تركوها بعدما اكتشفوا فيها شرخا يحول دون استخدامها.
سياستها الخارجية
سادت حالة من الاستقرار والرخاء في الدولة أثناء حكم حتشبسوت، لكن باتت الدولة تعاني من التهديدات الخارجية، بالإضافة لحالة البلبلة التي أثارها الكهنة المعارضيت لحكمها، ولكونها امرأة، اتهمت بالانصراف نحو شئون البلاد الداخلية، والإهمال في إعداد الجيش، مما عرض البلاد لخطر الهجوم الخارجي.أثارت الفتن المنتشرة في بلاد كوش، تعرض البلاد إلى الخطر الخارجي، وثار قادة الجيش
من أجل التحرك لوقف الفتن، لكن هذا وضع حتشبسوت في حيرة ما بين تخروج تحتمس الثالث والرجوع منتصرًا لينتزع منها الحكم، ونصيحتهم بإضاعة مستعمرة بدلًا من العرش، بين حرصها على مصلحة الدولة.
أهم الحملات العسكرية التي حدثت في عهد الملكة حتشبسوت:
- في بداية حكمها، قامت بحملة تأديبية على بلاد النوبة، وذكر ذلك ف مخطوطة لرئيس الخزانة "تيي".
- وأفادت المخطوط في الدير البحري، أنها شنت حملة تأديبية على سوريا وفلسطين، بالإضافة إلى حملة ضد التمرد في النوبة.
- وفي السنة 12 من حكمها قامن بحملة تأديبية، وردت في كتابة تانجور غرب، ويشار فيه أول تعاون لـ"تحتمس الثالث" في تاريخ "حتشبسوت".
- وفي العام 20 من حكمها قامت بحملة ضد تمرد النوبة، مذكورة في لوحة تومبوس.
- حملة تأديبية على ماو بالقرب من منطقة فرقة بين السمتين 20 و22 من حكمها.
رأت الملكة "حتشبسوت"، أن الكهنة ورجال الجيش يلتفون حول "تحتمس الثالث"، كلما زاد ضعط الأعداء الخارجي، وأن تخليها عن الحكم مهم لإنقاذ البلاد، حيث قام الكهنة بسرد لـ"تحتمس الثالث" معجزة بأن آمون أختاره ليكون فرعونًا لمصر، وطلب من "حتشبسوت" التنازل عن العرش والخضوع لإرادة آمون.
ومن هنا بأتت تستخدم حيل لسيطرة عليه، لكن توصلت " حتشبسوت" لحل تضمن به ولاء تحتمس، حيث فكرت ف تزويج ابنتها نفرورع منه، وبذلك يضمن حقه في الحكم، بشرط الذهاب لمحاربة الكوشين ويقمع ثوارتهم، ولاقي هذا العرض قبولًا من تحتمس، لكن شرط عليها لكي يقود الجيش وينقذ البلاد، يجب أن تتنازل عن عرشها، لذا قررت التنازل عن العرش لإنقاذ البلاد.
وقدر المؤرخ المصري القديم مانيتو فترة حكمها ب 21 سنة وتسعة أشهر.
أهم رجال عصرها
المهندس "سننموت"، الذي يعد أهم شخصية في عصرها وأعتمدت عليه كثيرًا، ويذكر أنه كان بينهم الكثير من الحب والإعجاب، حيث سمحلت له بنقش صورة له على جدار معد الدير البحري، وأقام مقبرة له في منطقة الشيخ عبد القرنة، وعثر على تمثال من الجيرانيت له محفظ الآن في متحف برلين.
وفاة الملكة حتشبسوت
توفت "حتشبسوت" في عام (1457 ق.م) أي في العام 22 من فترة حكمها، جاء ذلك في كتابة على لوحة وجدت بأرمنت،. وقد اعتـُقد في الماضي أنها قتلت بسبب التنازع على الحكم، ولكن تم التحقق الآن من مومياء حتشبسوت وهي تبدي بوضوح علامات موت طبيعي، وأن سبب موتها يرجع إلى إصابتها بالسرطان أو السكري.وقبرها موجود في وادي الملوك ويرمز له بالرقم KV20، وربما قامت حتشبسوت توسيع مقبرة أبيها لكي تستعملها، ووجد تابوتها موجود بجانب تابوت أبيها.
في السطور السابقة عن شخصية امرأة عظيمة صنعت تاريخًا لها، وبرزت مكانة المرأة في العصور القديمة والذي كانت تقدر أن تقدمه من أجل أن تثبت نفسها وذكائها، حيث أستطاعت حتشبسوت أن تقدم لنا مثال قوي للمرأة المصرية القديمة.
نجحت حتشبسوت في إدارة الدولة المصرية القديمة، وصنعت لها تاريخًا عظيمًا، وطورت في جميع المجالات وتمكنت من أن استخدام ذكائها ومهراتها الحربية بحكمة في أمور البلاد، رغم كثرة الأعداء وبعض الفئات في الدولة التي كانت تطاردها من أجل أن تترك العرش، إلا أنها أثبت أنها قوية .
وشهدت مصر فى عهد الملكة حتشبسوت عصرًا من أزهى العصور الحضارة، مليئة بالعظمة وتذخر بالمجد، ونعمت مصر بالرقى والاستقرار والعلاقات الدولية الوطيدة، لتخلد اسمها بين أعظم حكام الدنيا.
وتميزعصر حتشبسوت بالعديد من الانشاءات المعمارية، التى توضح مدى ازدهار عصرها، كما تمدنا المناظر والنقوش التى مثلت عليها بفكرة واضحة عن تاريخ وإنجازات الملكة حتشبسوت.
و أهم آثار حتشبسوت على الإطلاق هو معبدها الجنائزى الشهير فى الدير البحرى، والذى يعد من أخلد اعمالها بتصميمه الفريد ونقوشه الرائعة.
لذا كانت تاريخ حتشبسوت من أعظم فترات التاريخ الحديث والكلام فيه ممتع ورغم أن بعض المصادر تؤكد أن آثار كثيرة للملكة لم يتم العثور عليها أو تم تدميرها، لأنها امرأة شهدت تاريخا الكثير من الإنجازات.
المراجع :
1- أحمد رشاد موسى، دراسات في تاريخ مصر الاقتصادي، المجلس الأعلى للثقافة، الفاهرة، 1998، صفحة رقم 186، 218، 249، 255،256، 257، 258.
2- نيقولا جريمال، تاريخ مصر الفرعونية، مترجم، القاهرة، 1988، صفحة رقم 264
3- قادة مصر الفرعونية، حتشبسوت، مكتبة المنارة، القاهرة، 2008.
4- إيهاب جميل، تاريخ مصر الفرعونية (منذ بداية الدولة الحديثة وحتى دخول الإسكندر)، د.ت.
إرسال تعليق